dimanche 14 août 2011

وصـــــــايا إبليــــــــــس اللعيـــــــــن لجنوده




مختارات من كتـــــاب جواب الكافي لإبن القيم رحمــــــــــــــــه الله تمعنوا فيها يرحمكم الله

وصايا إبليس لجنوده

ثغر العين
فامنعوا ثغر العين أن يكون نظره اعتبارا بل اجعلوا نظره تفرجا واستحسانا وتلهيا فإن استرق نظرة عبرة فأفسدوها عليه بنظرة الغفلة والاستحسان والشهوة فإنه أقرب إليه وأعلق بنفسه وأخف عليه ودونكم ثغر العين فإن منه تنالون بغيتكم فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر فإني أبذر به في القلب بذر الشهوة ثم أسقيه بماء الأمنية ثم لا أزال أعده وأمنية حتى أقوي عزيمته وأقوده بزمام الشهوة إلى الانخلاع من العصمة فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم .

ثغر الأذن
ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر فاجتهدوا أن لا تدخلوا منه إلا الباطل فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستحسنه تخيروا له أعذاب الألفاظ وأسحرها للألباب وامزجوه بما تهوى النفس مزجا وإياكم أن يدخل من هذا الثغر شئ من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو كلام النصحاء فإن غلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء فحولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكير فيه والعظة به و ادخلوا ضده عليه.

وإذا شئت أن تعرف ذلك فانظر إلى إخوانهم من شياطين الإنس كيف يخرجون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب كثرة الفضول وتتبع عثرات الناس والتعرض من البلاء لما لا يطيق وإلقاء الفتن بين الناس قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} فسماه زخرفا وهو باطل لأن صاحبه يزخرفه ويزينه ما استطاع ويلقيه إلى سمع المغرور فيغتر به.
والمقصود: أن الشيطان قد لزم ثغر الأذن أن يدخل فيها ما يضر العبد ويمنع أن يدخل إليها ما ينفعه وإن دخل بغير اختياره أفسد عليه.

ثغر اللسان
ثم يقول: قوموا على ثغر اللسان فإنه الثغر الأعظم وهو قبالة الملك فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه من ذكر الله تعالى واستغفاره وتلاوة كتابه ونصيحة عباده والتكلم بالعلم النافع ويكون لكم في هذا الثغر أمران عظيمان لا تبالون بأيهما ظفرتم:
أولاهما: التكلم بالباطل فإنما المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم.
ثانهما: السكوت عن الحق فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس كما أن الأول أخ ناطق وربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم أما سمعتم قول الناصح: "المتكلم بالباطل شيطان ناطق والساكت عن الحق شيطان أخرس" فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن الباطل وزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق.
واعلموا يا بني أن ثغر اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم وأكبَّهم منه على مناخرهم في النار فكم لي من قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر؟


اقعدوا لهم في كل طريق
وكونوا أعوانا على الإنس بكل طريق وادخلوا عليهم من كل باب واقعدوا لهم كل مرصد أما سمعتم قسمي الذي أقسمت به لربهم حيث قلت: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} أو ما تروني قد قعدت لابن آدم بطرقه كلها فلا يفوتني من طريق إلا قعدت له من طريق غيره حتى أصبت منه حاجتي أو بعضها و قد حذرهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: "إن الشيطان قد قعد لابن آدم بطرقه كلها وقعد له بطريق الإسلام فقال: له أتسلم وتذر دينك ودين آبائك؟ فخالفه وأسلم فقعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ فخالفه وهاجر فقعد له بطريق الجهاد فقال: أتجاهد فتقتل فيقسم المال وتنكح الزوجة فخالفه وجاهد" فكهذا فاقعدوا لهم بكل طرق الخير فإذا أراد أحدهم أن يتصدق فاقعدوا له على طريق الصدقة وقولوا له في نفسه أتخرج المال وتبقى مثل هذا السائل وتصير بمنزلته أنت و هو سواء؟ أو ما سمعتم ما ألقيت على لسان رجل سأله آخر أن يتصدق عليه فقال: هي أموالنا إن أعطيناكموها صرنا مثلكم واقعدوا له بطريق الحج فقولوا: طريقه مخوفة مشقة يتعرض سالكها لتلف النفس والمال وهكذا فاقعدوا على سائر طرق الخير بالتنفير منها وذكر صعوبتها وآفاتها ثم اقعدوا لهم على طريق المعاصي فحسنوها في عين بني آدم وزينوها في قلوبهم واجعلوا أكثر أعوانكم على ذلك النساء فمن أبوابهن فادخلوا عليهم فنِعمَ العونِ هُنَّ لكم.

ثغر اليدين
ثم ألزموا ثغر اليدين والرجلين فامنعوها أن تبطش بما يضركم و تمشى فيه وأعلموا أن أكثر أعوانكم على لزوم هذه الثغور مصالحة النفس الأمارة فأعينوها واستعينوا بها وأمدوها واستمدوا منها وكونوا معها على حرب النفس المطمئنة فاجتهدوا في كسرها وإبطال قواها ولا سبيل إلى ذلك إلا بقطع موادها عنها فإذا انقطعت موادها وقويت مواد النفس الأمارة وانطاعت لكم أعوانها فاستنزلوا القلب من حصنه واعزلوه عن مملكته و ولو  مكانه النفس فإنها لا تأمر إلا بما تهونه وتحبونه ولا تجيئكم بما تكرهونه البتة.



واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما:
أولاهما: جند الغفلة فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله تعالى والدار الآخرة بكل طريق فليس لكم شيء أبلغ في تحصيل غرضكم من ذلك فإن القلب إذا غفل عن الله تعالى تمكنتم منه ومن إغوائه.
الثاني: جند الشهوات فزينوها في قلوبهم وحسنوها في أعينهم وصُولوا عليهم بهذين العسكرين فليس لكم من بني آدم أبلغ منهما واستعينوا على الغفلة بالشهوات وعلى الشهوات بالغفلة واقرنوا بين الغافلين ثم استعينوا بهما على الذاكر وإذا رأيتم جماعة مجتمعين على ما يضركم من ذكر الله أو مذاكرة أمر ونهيه ودينه ولم تقدروا على تفريقهم فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الإنس البطالين فقربوهم منهم وشوشوا عليهم بهم.ه

وبالجملة فأعدوا للأمور أقرانها وأدخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته وشهوته فساعدوه عليها وكونوا أعوانا له على تحصيلها وإذا كان الله قد أمرهم أن يصبروا لكم ويصابروكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصبروا أنتم وصابروا ورابطوا عليهم بالثغور

ثغر الغضب والشهوة
وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة والغضب فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.
واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب وسلطان غضبه ضعيف مقهور فخذوا عليه طريق الشهوة ودعوا طريق الغضب ومنهم من يكون سلطان الغضب عليه أغلب فلا تخلوا طريق الشهوة عليه ولا تعطلوا ثغرها
فإن من لم يملك نفسه عند الغضب فإنه بالحري أن لا يملك نفسه عند الشهوة فزوجوا بين غضبة وشهوته وامزجوا أحدهما بالآخر وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب وإلى الغضب من طريق الشهوة.
واعلموا أنه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين وإنما أخرجت أبويهم من الجنة بالشهوة وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب فبه قطعت أرحامهم وسفكت دماؤهم وبه قتل أحد بني آدم أخاه.
واعلموا أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم والشهوة نار تثور من قلبه وإنما تطفأ النار بالماء والصلاة والذكر والتكبير فإياكم أن تمكنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قربان الوضوء والصلاة فإن ذلك يطفئ عنهم نار الغضب والشهوة وقد أمرهم نبيهم بذلك وقال: "
إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بذلك فليتوضأ" وقال لهم: "إنما تطفأ النار بالماء" وقد أوصاهم الله أن يستعينوا عليكم بالصبر والصلاة فحولوا بينهم وبين ذلك وأنسوهم إياه واستعينوا عليهم بالشهوة والغضب وأبلغ أسلحتكم فيهم وأنكاها الغفلة واتباع الهوى وأعظم أسلحتهم فيكم وأمنع حصونهم ذكر الله ومخالفة الهوى فإذا رأيتم الرجل مخالفا لهواه فاهربوا من ظلمه ولا تدنوا منه.
والمقصود أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداه ويعينهم بها على نفسه فيقاتلونه بسلاحه ويكون معهم على نفسه وهذا غاية الجهل قال:
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه

ومن العجب أن العبد يسعى بنفسه في هوان نفسه وهو يزعم أنه لها مكرم ويجتهد في حرمانها أعلى حظوظها وأشرفها وهو يزعم أنه يسعى في حظها ويبذل جهده في تحقيرها وتصغيرها وهو يزعم أنه يعليها ويرفعها ويكبرها.

وكان بعض السلف يقول في خطبته: ألا رُبَّ مهين لنفسه وهو يزعم أنه لها مكرم ومذل لنفسه وهو يزعم أنه لها معزٌّ ومصغر لنفسه وهو يزعم أنه لها مكبر ومضيع لنفسه وهو يزعم أنه مراع لحفظها وكفى بالمرء جهلا أن يكون مع عدوه على نفسه يبلغ منها بفعله مالا يبلغ منه عدوه والله المستعان.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
من كتاب الجواب الكافي لابن القيم رحمه الله تعالى

أعاذنــــا الله وإيـــاكم من كل شيطان رجيــــــــــم و اللهم إصلح أحوالنــــأ وأحوال كل المسلميــــــــن
اخاكم أبــا يزيد